السلام الأزرق:
كيف يساعد التعاون المائي على دعم العلاقات البينية العربية؟

السلام الأزرق:

كيف يساعد التعاون المائي على دعم العلاقات البينية العربية؟



يمكن أن يمثل التعاون المائي مدخلاً لتعزيز العلاقات بين الدول العربية، لاسيما في ظل محورية دور المياه العابرة للأنهار الدولية في تلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية، مع الأخذ في الاعتبار تعدد التحديات التي تواجه المنطقة العربية في هذا الإطار، مثل ندرة الأمطار وارتفاع تبخر المياه وتزايد معدلات الاستهلاك، الأمر الذي يؤدي تباعاً إلى تراجع موارد المياه بالدول العربية، بحيث تشير الأدبيات المتخصصة إلى وقوع معظمها في دائرة “الفقر المائي”، وهو ما يعزز الدوافع لتوسيع نطاق التعاون المائي بين الدول العربية، لاسيما في ظل الخلافات مع بعض دول الجوار على خلفية تدفق ما يقرب من 65% من مصادر المياه العذبة من خارج المنطقة العربية، وتحديداً من تركيا وإيران وأثيوبيا.

وقد برزت ملامح لتعاون بيني عربي في القضايا المتصلة بالمياه، خلال الفترة القليلة الماضية، وذلك على النحو التالي:

إدارة المياه

1- تعزيز التعاون المصري- العراقي في إدارة المياه: قام وفد مصري رفيع المستوى بزيارة العراق في مطلع الشهر الجاري كأحد نتائج الاجتماع الأول للجنة التوجيهية الفنية المشتركة المصرية- العراقية في مجال الموارد المائية والرى، والذي عقد في 6 يونيو 2021، وانتهى بالاتفاق على تشكيل مجموعة عمل من الفنيين المصريين لزيارة العراق تضم نخبة من الخبراء والفنيين في مجالات متنوعة مثل أعمال تطوير الرى والدراسات والبحوث وحصاد مياه الأمطار ونظم الرصد والمتابعة وأنظمة التنبؤ.

وقد أكد الدكتور محمد عبدالعاطي وزير الموارد المائية والرى المصري، في تصريحات نقلتها صحف مصرية وعربية في 10 أغسطس الجاري على “ضرورة تحقيق أقصى درجات التعاون والتنسيق بين مصر والعراق، لتحقيق أهداف الشعبين في التنمية المستدامة، والوصول إلى الإدارة المثلى للموارد المائية”، وهو ما يستلزم التواصل المستمر، حيث تمت دعوة الجانب العراقي لزيارة مصر خلال الفترة المقبلة لمشاهدة التجارب المصرية الناجحة في مجالات تأهيل الترع والرى الحديث، وأعمال تطوير الرى وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي والتنبؤ بالفيضان.

وكذلك تم الاتفاق على تقديم مصر لعدد من الدورات التدريبية للمتخصصين العراقيين بمجالات إنشاء وصيانة سدود حصاد مياه الأمطار والإدارة الرشيدة للمياه الجوفية، فضلاً عن التعاون في مجالات بحثية مشتركة تخص إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي وحماية الشواطئ وإزالة الحشائش من المجاري المائية. وفي مجال تنفيذ المشروعات الرائدة، تم الاتفاق على تقديم مصر المشورة الفنية لتنفيذ نظام للتنبؤ والإنذار المبكر بالعراق، واستخدام صور الأقمار الصناعية لحساب كفاءة الرى واستخدام جهاز قياس درجة رطوبة التربة، وكذا تقديم الجانب المصري الدعم الفني لإنشاء شبكة رصد لحظي (التليمتري) لرصد بيانات المياه بأحد المشاريع أو مديريات الموارد المائية في العراق.

تقاسم الضرر

2- طلب الحكومة العراقية من الحكومة السورية زيادة الإطلاقات المائية إلى الأراضي العراقية: تبدي سوريا والعراق اهتماماً ملحوظاً بالوصول إلى تفاهم مشترك فيما يخص إمدادات المياه. إذ وقع وزير الموارد المائية العراقي مهدي رشيد الحمداني مع نظيره السوري تمام رعد، في 17 يوليو الماضي، محضراً مشتركاً لتنظيم ملف المياه بين البلدين، وتبادل البيانات التي تخص واردات نهرى دجلة والفرات بشكل دوري وفي حالات الطوارئ، وتفعيل أعمال اللجان الفنية وتوحيد المواقف بشأن الكميات الواردة من المياه، وتكثيف عقد الاجتماعات الفنية والإدارية بين الجانبين وتقاسم الضرر الناتج عن انخفاض الواردات المائية وتأثير التغيرات المناخية.

حصص المياه

3- تباحث الجانب السوري والعراقي مع تركيا بشأن الحصص المائية: وذلك لتعويض النقص الحادث في الإيرادات، نتيجة قلة سقوط الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، بهدف تقاسم الضرر بين الجانبين. وهنا، قال المتحدث باسم وزارة الموارد المائية علي راضي في تصريحات للتلفزيون العراقي في 9 أغسطس الجاري: “إن اجتماعاً وشيكاً بين العراق وسوريا وتركيا سيعقد لبحث الحصص المائية، وسيتم التأكيد على تقاسم الضرر، وحقوق العراق المائية”. وسبق أن صرح وزير الموارد المائية مهدي رشيد الحمداني، في أواخر يوليو الماضي، بأن وفداً تركياً سيصل قريباً لمناقشة تفاصيل البروتوكول المتعلق بنهر دجلة، وأنه تم تفويضه من الجانب السوري للتفاوض مع تركيا.

وتزامن ذلك مع إعلان الحكومة العراقية عن قيام إيران بقطع المياه عن العراق، إذ قال وزير الموارد المائية مهدي رشيد الحمداني في 11 يوليو الماضي أن “الإطلاقات المائية من إيران بلغت صفراً”، مُلمِّحاً إلى اللجوء للمجتمع الدولي من أجل تقاسم الضرر، وإطلاق حصة العراق المائية حسب المواثيق الدولية، حيث تتحكم إيران في سريان المياه بأنهار سيروان وكارون والكرخة، التي تمد مناطق شرق العراق بالمياه العذبة، ما تسبب في أضرار كبيرة للسكان الذين يعتمدون بشكل مباشر على المياه القادمة من إيران. وأضاف الحمداني: “تحدثنا مع إيران وتركيا للاتفاق على بروتوكول تقاسم المياه، إلا إننا لم نحصل على إجابة حتى الآن”، مضيفاً أنه “لا يمكن أن تبقى الأمور من دون اتفاق بشأن الإطلاقات المائية مع الدول المتشاطئة”.

دبلوماسية وقائية

4- دعم عربي للحقوق المائية لمصر والسودان: بعد احتدام أزمة سد النهضة بين مصر والسودان من ناحية وأثيوبيا من ناحية أخرى، على مدار السنوات الماضية، لاسيما في ظل الإجراءات الأحادية التي تقوم بها أديس أبابا دون الأخذ في الاعتبار المصالح المائية لدولتى المصب وتحذير الدولتين من خطر وجودي على 150 مليوناً من مواطنيهما، وتشديدهما على “الدبلوماسية الوقائية” والتوصل إلى اتفاق قانوني منصف يتضمن تدابير تراعي الظروف في الدولتين، خاصة في فترات الجفاف، بدلاً من تعريض السلم والأمن في المنطقة للخطر.

وفي هذا السياق، برز الدعم السياسي البحريني لحقوق مصر المائية، إذ أكد الملك حمد بن عيسى، خلال استقباله وزير الخارجية المصري سامح شكري في 8 أغسطس الجاري، تضامن بلاده مع مصر في كل ما يحفظ حقوقها وأمنها المائي. وقال الملك حمد، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء البحرينية “بنا”: “إن البحرين تدعم جميع الجهود والمساعي الهادفة للتوصل إلى اتفاق ملزم لحل مسألة سد النهضة وفق قواعد القانون الدولي، وبما يعود بالخير والنفع على كل الأطراف، ويضمن حقوق مصر في حصتها المائية في نهر النيل”، مشيداً بالدور المركزي لمصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي في الدفاع عن قضايا الأمة العربية ومصالحها وحماية الأمن القومي وتعزيز أسس السلام والأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.


الاستغلال المشترك

5- إيقاف تضرر الخزان المائي الجوفي المشترك في الصحراء الحدودية لتونس والجزائر وليبيا: تزايدت حدة المشكلات المتعلقة بالموارد المائية في تونس من ندرة وتملح وتلوث، خاصة في مناطق الجنوب التي يقل فيها تساقط الأمطار. وهنا، تجدر الإشارة إلى أن تونس تقع في دائرة الفقر المائي، إذ يتم تحديد معدل خط الفقر بـ500 متر مكعب على المستوى العالمي، في حين يقدر المعدل داخل تونس بـ450 متر مكعب. وفي هذا السياق، تحث العديد من الدراسات الإقليمية والدولية على التعاون الواسع باعتباره المدخل الوحيد للحد من تردي المياه الجوفية في منطقة المغرب العربي.

إدارة متكاملة

6- نقل الخبرة المصرية في إدارة المياه وصيانة البنية التحتية: يقوم المجلس العربي للمياه في القاهرة بإعداد برامج تدريبية لبعض الدول العربية والأفريقية التي يمكن من خلالها إدارة المياه في المناطق شبه القاحلة ودعم صغار المزارعين وإعادة استخدام مياه الصرف المعالجة في الزراعة وتقديم المياه بكفاءة عالية للمواطنين بطريقة علمية ومهنية صحيحة وتبادل الخبرات والمعلومات بين الدول العربية والأفريقية، وصولاً إلى الإدارة المتكاملة للموارد المائية من أجل التنمية المستدامة، وهو ما حدث خلال عام 2021.

مورد مشترك:

خلاصة القول، إن التعاون في مجال المياه قد يكون مُحفِّزاً للتعاون واسع الانتشار بين الدول العربية، في أقاليم جغرافية مختلفة، على نحو ما يحدث بين مصر والسودان، ومصر والعراق، والعراق وسوريا، والأردن والعراق، وليبيا وتونس والجزائر، لاسيما في ظل زيادة الطلب على المياه وازدياد نسبة نمو السكان. ولعل ذلك يفرض على الدول العربية ترشيد استغلال المياه أولاً، مع الأخذ في الاعتبار أن المياه ليست ملكاً لدولة، بل هى مورد مشترك، على نحو يشير إلى أهمية تقاسم المنافع ليصبح السلام الأزرق بوابة رئيسية للتكامل العربي الغائب، بعد تحول المياه من مصدر للنزاع إلى أداة للسلام.